كنتُ لا أتشابه معه بأيّ شيءٍ، فقط كان يمسكُ بأطرافِ قميصي عندما أتظاهر بالرحيل، وأنا أفعل كذلك.. كان هذا كلّ ما علق بصقيع المدينة الميّت على عتبات داري، أو عند درجات سلّم خشبيّ كنتُ أعلّق عليه ملابسي المبللة من فرط الشتاء والدموع.مضت السنوات، ولن أدّعي أنها كانت عابرةً سريعةً كزفرة عجوز مستاءة! كانت أقسى من ثلاثين عامًا أجرّب فيهم أعمالًا كثيرةً، من عاطلٍ لا يجدي نفعًا، لبائع أحذية في مواسم العيد، لعامل في مطعم يشطف الصحون والكؤوس المطبوعة بشفاهٍ من سهرات ليلية صاخبة، لنجار مبتدئ يُنعّم أوجه الأبواب، لدَّهَّان خبير في مزجِ الألوان، ثم عامل جِبس غبي. كانت أقسى من كل تلك السنوات التي كنتُ فيها ضائع، لا أعرف أي هدفٍ في حياتي سوى أهداف كرة القدم!الآن، الشتاء نفسه يُطلّ عليّ، يسحبني صوب ذكرى، يُعلّقني كقرطِ أميرةٍ ويهمس ضاحكًا "هنا مكانك"! في هذه اللحظات، لم أعد أجد أحدًا يُمسكني من قميصي، سوى يد باب منزلي عندما أعود مساءً محمّلًا بأوجاع تكدّر وحدتي، فيعلقُ بها من ضباب بصيرتي! أنا لا أريدك أن تعود، مثلما أرجعُ كلّ مساء كاتمًا في دواخلي عواصفًا مدوّية. كلّ ما في الأمر أنّني أردت أن أقول سلام لظلّك العالق في أطراف أصابعي، كلّما جفّفت دمعي؛ ظهر وجهك على وجهي!
إياد عاشور