وفي لحظة ما كل شيء يبدو وكأنه شاغر كشرخٍ في جدار، أو صدع في ذاكرة! تمرُّ بعدها صرخة يرتد صداها فلا تسمع إلا صوت بكاء على هيئة صافرة! تميل على الجانبين وأنت تجلس كعادتك واحدًا مثل هذا الكرسي الخشبي المُمَدّد. لا شريكان يلمسان وجهه أو يحكّان ظهره سواك! تعدُّ خيباتك التي لا تُنسى أو تضيع! وحده يعرفك وتعرف ما يُحيكه لك صمته وبرودة جموده!تنسى نفسك لثانية، تنام متعجبًا متناسيًا كل ما مرّ كأنك لم تكن سوى نسمة متطفلة شاكست هدأة شعرتين بقيتا في رأسك، تُزيّنانه كتوليبة في أصيص أعزل على شرفة ميتة!كل ذلك يحدث وأنت تحاول أن تُخرج من جيبك صورة قديمة لحب ضائع؛ سرقه شخص أوسم منك ولم يأبه بالقدر! تحاول اصطناع بسمتك الكاذبة، وأنت تدري أن كل هذه الأرض لا تسدّ نظرة واحدة عنه! تلك النظرة الضعيفة التي لحد اللحظة لا يجرؤ أن يخطِفها حتى من صورة لك قبل عشر سنوات وأنت تحتضنه! هو لا يخافك بل يحنّ لكنّه لا يبوح! تأخذ نفسًا، تخرج من جيبك ميدالية أثريّة، تفتحها لتنظر لنصف صورته الظاهرة من داخلها. فجأة يخفق قلبك. كأنك تراه لأول مرّة. وكأنه أول لقاء. تمد يدك خجِلًا تلمس أطراف شعره بينما يخفض نظره للأسفل ولا يتفوّه بحرف! تأخذ بيده، تجتاز الشوارع والوجوه ولافتات المحال، وحده اسم عالق للحين في ذاكرتك، سينما القصبة. تنتفض فجأة عند سؤاله لك كيف حالك، تأخذ نفسًا أعمق من محيطٍ وأحر من لهب، تهيئ لسانك وتدرب قلبك كما تفعل دومًا لتقول " بخير، اشتقت..." عندها يقطع شردوك عامل النظافة التركي بكلمتين( Bakar mısınız? ) .. تقوم من مقعدك، تترك كل شيء مكانه، ينظفه دون أن يدري أنه في كل ليلة يلمُّ شظايا قلبك المكسور، لا لم تكن قشور بزر وورق شجر، ثم ترحل، ثم يرحل!..
١٩ تموز ٢٠٢٠