كنت في العاصفة، أسير على مهل متأملًا قلبًا أحاول جمع شتاته. وحين نأيت عن الطريق منحرفًا عن مساري؛ وجدت جسدي في دوامة يعبث معتصرًا مختصرًا، كان في مكان لا أعرفه، وعبثًا حاولت جمعه أو ترتيب شظاياه. كنت حينها دون رأس، أمشي وأرتطم في الوجوه وأعمدة الإنارة وجدران البيوت، استحال عليَّ أن أعدد أسماء أشياء كثيرة اصطدمت بها. كنت أسمع لأشياء لا أراها، وألتمس أشياء لا أراها، ولا أعرف عن وجهي سوى أنه كان الآخر متكسرًا يتأرجح ويصرخ. لم أُبدِ أي قوة، لم أكن سندًا لنفسي، ولا لوجهي، ولا لاسمي حتى، لم أكن إلا مجرد غصن على هيئة بشر، بالكاد استطعتُ المشي، فأنا لم أكمل بحثي، وضيّعت دون قصد رأسي. كان كل من يجدني يسألني ما اسمك، وكأنني طفل صغير، أردد "أنا بدون اسم". بأعضاء مبعثرة أجوب الأمكنة، لكنني لازالت أبحث عن قلب مشتت ورأسٍ ضل الطريق من فرط الزحام وتاه بين الجموع. ثمة أكثر من جسد صدمني، ثمة أكثر من جسد صدمت، لم يكن ذلك في الماضي، ولا الحاضر، غيوم كانت تحمل رأسي، كنت وجه غيمة، لا أرى جسدي، ولا جسدي يرى رأسه، مجرد أنني كنت أتحسس عظام جمجمتي أو هذا الهيكل الذي يعلو هذه الكتلة، لكنه لم يكن، ربما تبخّر أو أندثر! عاد بي الوقت سريعًا، عدت طفلًا، أتتبع أوراق الشجر فوق البحيرة، وأسيّرُ المراكب الورقية فيها، يومها وقعت في البحيرة وغرقت، لولا كلب جارتنا لما كنت أعيش الآن بهذه الندوب على كتفي، إنها آثار أسنانه، إنها بقايا ذكريات تشبه ذات الورق السابح في ماء البحيرة، إنها لم تكن علامات نبوة، لم تكن وحمة أو شامات. عُدت لواقعي ذهبت باتجاه الحقل، أرى الأشجار وما تبقى من وجوه تقبع تحت الدالية من المطر، كان لا يزال جسدي مفقودًا تمامًا، كما لم يكن رأسي يبعث في الجوار سوى رسائل يحاور فيها جسدي البعيد.. تُرى لماذا لا تصير السماء خارطة، ولماذا لا تصير الطيور دليل؟ تأخذ رأسي إلى جسدي، نلتقي، ثم تلتحم الشرايين من جديد. محيت آثاري من الحقل وهرعت إلى مكان آخر. في الأثناء كان جسدي يفتعل عراكًا ويمضي، كلّما حاول أحد أن يوبّخه، وجد جسدًا فقط، فخاف وهرب. لم تكن هناك طريقة استنسخ فيها وجهًا آخر. وجه حبيبي مثلًا، وجه شجرة، وجه عصفور. لم يكن بمقدوري أن أعبث بنفسي، أو أن أحاول حتى. جلست في مكاني عوضًا عن المشي، لهاثي كان أعلى من أصوات دمدمات المارة، أنا لا أرى. طويت هذه السيرة، تمنّيت لو عينًا واحدةً فقط. لم أنزعج، لازال قلبي ينبض، يبحث عنك كما فقدتُ رأسي أثناء العاصفة. لا يزال كل شيء يسير على ما يرام، تناسيت كل ما خرج من فمي، وحين هدأت العاصفة؛ عاد رأسي وأكملت الطريق باحثًا عنك! أحاول جمع شتاتك كما اجتمع شتاتي، رمقني أحدهم، كنت قد ارتطمت به كصخرة، لم أكن أعلم أنني سبب كل هذه الجروح في وجهه. سألني عن اسمي، قلتُ: "إياد" ... قال: اذهب، عفوت عنك، فأنا القدر... مضيت كالريح أطير، لا أسمع شيئًا ولا أرى، غير أنني لا أزال أبحث عن قلبك، أجل عن قلبك لا أزال أبحث!